عندما ترى شخصا تنضح "خدوده" بالدماء ويضج أمامك حيوية ونشاطا تدرك أن هذا الشخص من الأصحاء.. ليس أمرا يحتاج لفكاكة أو ذكاء.. كذلك البلد كيف تعرف أنها بصحتها؟ إشارة من ضمن إشارات عدة هي أن تجد دوريها يسير بانتظام وفي حضور الجماهير وتشتد المنافسة فيه.. مصر بالبلدي "بعافية".. وصحتها "على قدها".. الأمر لا يحتاج دليلا ولكن يحتاج أن نعرف أن الدوري المصري لن يعود إلا عندما تستعيد الدولة صحتها.. والموسم الحالي لن يكتمل بأي حال من الأحوال مهما تعددت محاولات الإنعاش.
في تاريخ مصر منذ عام 1948 وهو العام الذي انطلق فيه أول دوري مصري، توقف الدوري وألغي 5 مرات وهي مواسم 54-55 وكانت الدولة تعاني تهتك مفاصلها بسبب ثورة يوليو 52، وتناحر أجهزة الدولة فيما بينها فكان من المستحيل أن يكتمل الدوري في ظل الأحداث المتلاحقة، وفي ظل ملاحقة فلول النظام الملكي وفلول نظام الإخوان المغدور به آنذاك.
وفي موسم 70-71 لم يكتمل الدوري لنفس السبب فالسادات الذي تولى الحكم لم يكن يستطيع العمل دون القضاء على أذناب النظام الناصري، وبقايا الضباط الأحرار، وكل التيارات اليسارية، وتناحرت القوى السياسية في ذلك الوقت وأرادت للسادات أن يكون طرطورا يحكم، ولكنه كان من الذكاء أن أطاح بهم جميعا في ثورة التصحيح 15 مايو 1971، وهي الثورة التي وضع فيها كل أذناب النظام الناصري في السجون وسجن القيادات الإعلامية أمثال محمد فايق وزير الإعلام آنذاك وكل القيادات الناصرية أو الموالية للفكر الناصري.. ولم يكن هذا وقتا يسمح باستكمال الدوري أو غيرهوبالفعل ألغي الموسم ولم يكتمل.
وفي موسم 1973-1974 انطلق الموسم ثم جاءت حرب تحرير سيناء في اكتوبر 73، وكان من المستحيل استكمال الدوري في ظروف الحرب، وبالفعل ألغي الموسم لأن البلد لم تكن بصحتها ولم يكن المجال مناسبا بأي حال من الأحوال لممارسة أي شيء سوى الحرب أو متابعتها.
وفي موسم 89-90 كان الاستثناء الوحيد للقاعدة، فالغي الدوري بناء على طلب محمود الجوهري رحمه الله، الذي قرر أن المسابقة لن تكون الإعداد الجيد للاعبيه بعد الوصول لكأس العالم إيطاليا 90، وتم الإلغاء بناء على توصيته مع الاعتماد على المعسكرات الطويلة.
ثم كانت نهاية دولة مبارك في 2011 موعدا لتهديد الدوري وإيقافه ولكن الآذان لم تسمع وأصرت على استكماله ليموت بموت 72 قتيلا في استاد بورسعيد في فبراير 2012، لينتهي الموسم نهاية مأساوية، وتظل الكرة مجمدة في مصر على المستوى المحلي حتى تم الإفراج عنها بإقامة الموسم بعد قرابة نصف عام من التوقف، ولكنه عاد دوريا أعوجا غير مستقيم ولا مستقر، دون جماهير والرياح تأتي به وتذهبه، حتى قامت ثورة 30 يونيو من العام الجاري ليتوقف الدوري وتكون رصاصة رحمة للدوري الأعوج الذي يستحيل أن يستكمل ولو استكمل فكيف ومتى سيقام الموسم المقبل؟
وبخلاف الدوريات التي لم تستكمل فهناك مواسم لم تقام من الأساس وهي أعوام 51-52، ومن 67 إلى 70، ووآخر الموسم التي لم تقم كان موسم 71-72.
لم تكن الدولة بصحتها في كل هذه الأعوام وهي الآن في أسوأ حالاتها الصحية، لذلك الضعف والتهالك مع الدوري "دونت ميكس" وإلا ينتهي بكارثة كالتي حدثت في استاد بورسعيد..
الدوري مات حتى لو قبَله البعض قُبلة الحياة، انتهى ولن يقف على طوله مجددا في ظل تهالك الدولة وتناحر كل أطيافها وفئاتها، الدوري مات بالـ"سكتة الثورية"، ولن تنقذه الصدمات الكهربائية ولا قبلات الحياة ولو كانت هناك قبلات موت لاستحقها.. فلنطوي الصفحة وننتظر مولودا جديدا عندما تستقر الأمور، مولودا غير مشوه .. كامل وعاقل ليس مريضا ولا معوق نقضي كل أوقاتنا في محاولة لعلاجه وإنعاشه.. كل سنة وأنتم طيبين.. وكل دوري وأنتم بخير.. ولا عزاء للزمالك الذي كان يقتله العشم بالتتويج.. ولكن حتى الزمالك نفسه ليس من مصلحته عودة الدوري.. فإن ماتت المسابقة والزمالك شبه بطل خير من أن تستكمل ويسقط من على عرش البطولة !